والحاصل: أنه لا علاقة للآية الكريمة بالمعنى الذي أشار إليه السائل الكريم. ولمزيد من الفائدة نرجو الاطلاع على الفتوى رقم: 40300. والله أعلم.
وفيه توبيخ للموالي ؛ لأن الإماء إذا رغبن في التحصن ؛ فأنتم أولى بذلك. ثم علل الإكراه بقوله: (لتبتغوا عَرَض الحياةِ الدنيا) أي: لتبتغوا بإكراههن على الزنا أجورهن ، وأولادهن ؛ جيءَ به ؛ تشنيعاً لهم ، على ما هم عليه من احتمال الوزر الكبير ، لأجل النزر الحقير ؛ أي: لا تفعلوا ذلك لطلب المتاع السريع الزوال ، الوشيك الاضمحلال. (ومن يُكْرِههُنَّ) ؛ على ما ذُكِرَ من البغاء ، (فإن الله من بعد إكرَاهِهِنَّ غفورٌ) لهن (رحيمٌ) بهن. وفي مصحف ابن مسعود كذلك. ولا تكرهوا فتياتكم على البغاء. وكان الحسن يقول: لهن والله. وقيل: للسيد إذا تاب. واحتياجهن إلى المغفرة ، المنبئة عن سابقة الإثم: إما اعتبار أنهن - وإن كن مُكْرَهَاتٍ - لا يخلون في تضاعيف الزنا من شائبة مطاوعة ما ، بحكم الجِبِلَّةِ البشرية. وإما لغاية تهويل أمر الزنا ، وحث المكرهات على التثبت في التجافي عنه. والتشديد في تحذير المكرِهِينَ ، ببيان أنهن حَيْثُ كُنَّ عُرْضَةً للعقوبة ، لولا أن تداركهن المغفرة ، الرحمة ، مع قيام العذر في حقهن ، فما بالك بحال من يكرههن في استحقاق العقاب ؟". "البحر المديد" لابن عجيبة (5/116). وقال الإمام أبو أحمد الكرجي ، رحمه الله: "وقوله: ( وَمَنْ يُكْرِهْهُنَّ فَإِنَّ اللَّهَ مِنْ بَعْدِ إِكْرَاهِهِنَّ غَفُورٌ رَحِيمٌ): دليل على أن، إثم الزنا مدفوع عن المكرهة، وَلاَحَد عليها فيه... فمن فعل هذا بجاريته ، فهو في سخط الله ولعنته حتى تنزع عنه... وعلى الجارية أن تقاتل من أراد ذلك منها ، وتفرغ مجهودها في المنع عنها، ولا تسلم فرجها قبل بذل المجهود في الدفع عن نفسها ، بسلاحها ويدها، وأسنانها ، واضطرابها ، حتى تنقطع حيلها، وتُغلب ، ثم تكون حينئذِ مكرهة ، مستوجبة ما وُعدت من الغفران والرحمة.
وفي الآية إشارة لحال من أكره أمته ، وإيماء إلى وعيده ، وسوء منزلته. قال الطيبي رحمه الله: ".. وعيدٌ شديد، وتهديدٌ عظيمٌ للمكرِه. وذلك الغفران والرحمة تعريضٌ... يعني: انتبهوا أيها المكرهون، أنهن مع كونهن مكرَهاتٍ بنحو القتل وإتلاف العضو، يؤاخذن على ما أُكْرهن ؛ لولا أن الله غفورٌ رحيمٌ ، فيتجاوز عنهن ؛ فكيف بمن يكرههن ". انتهى، من "حاشية الطيبي على الكشاف" (11/84). وقال ابن عجيبة ، رحمه الله: يقول الحق جل جلاله: (ولا تُكْرهُوا فتياتكم) أي: إِمَاءَكُمْ ، يقال للعبد: فتى ، وللأمة: فتاة. تفسير قوله تعالى ولا تكرهوا فتياتكم على البغاء .. - إسلام ويب - مركز الفتوى. والجمع: فتيات. (على البغاء) أي: الزنا ، وهو خاص بزنا النساء. كان لابن أُبيِّ ست جوار: مُعَاذَة، ومُسَيْكَة ، وأميمة، وعَمْرَة ، وأَرْوَى ، وقُتَيْلَة ، وكان يكرههن ، ويضرب عليهن الضرائب لذلك ، فشكتِ ثنتان منهن إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فنزلت الآية. وقوله تعالى: (إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّناً) أي: تعففاً ؛ ليس قيداً في النهي عن الإكراه ، بل جرى على سبب النزول. فالإكراه: إنما يُتَصَوَّرُ مع إرادة التَّحَصُّنِ ؛ لأن المطيعة لا تسمى مكرهة. ثم خصوص السبب ، لا يُوجب تخصيص الحُكم على صورة السبب ؛ فلا يختص النهي عن الإكراه بإرادة التعفف ، وكذلك الأمر بالزنا ، والإذن فيه: لا يُبَاحُ ، ولا يجوز شيء من ذلك للسيد ، وما يقبض من تلك الناحية سُحْتٌ وربا.
ويظهر أن قصة أمته حدثت في مدة صراحة كفره لما علمت مما روي عن الزهري من قول ابن أبي حين نزلت: من يعذرنا من محمد يغلبنا على مماليكنا ، ونزول سورة النور كان في حدود السنة الثانية كما علمت في أول الكلام عليها فلا شك أن البغاء الذي هو من عمل الجاهلية استمر زمنا بعد الهجرة بنحو سنة. ولا شك أن البغاء يمت إلى الزنى بشبه لما فيه من تعريض الأنساب للاختلاط ، وإن كان لا يبلغ مبلغ الزنى في خرم كلية حفظ النسب من حيث كان الزاني سرا لا يطلع عليه إلا من اقترفه وكان البغاء علنا ، وكانوا يرجعون في إلحاق الأبناء الذي تلدهم البغايا بآبائهم إلى إقرار البغي بأن الحمل ممن تعينه. واصطلحوا على الأخذ بذلك في النسب فكان شبيها بالاستلحاق على أنه قد يكون من البغايا من لا ضبط لها في هذا الشأن فيفضي الأمر إلى عدم التحاق الولد بأحد. ولا شك في أن الزنى كان محرما تحريما شديدا على المسلم من مبدأ ظهور الإسلام. باب في قوله تعالى: {ولا تكرهوا فتياتكم على البغاء} - حديث صحيح مسلم. وكانت عقوبته فرضت في حدود السنة الأولى بعد الهجرة بنزول سورة النور كما تقدم في أولها. وقد أثبتت عائشة أن الإسلام هدم أنكحة الجاهلية الثلاثة وأبقى النكاح المعروف ولكنها لم تعين ضبط زمان ذلك الهدم. [ ص: 226] ولا يعقل أن يكون البغاء محرما قبل نزول هذه الآية إذ لم يعرف قبلها شيء في الكتاب والسنة يدل على تحريم البغاء ، ولأنه لو كان كذلك لم يتصور حدوث تلك الحوادث التي كانت سبب نزول الآية إذ لا سبيل للإقدام على محرم بين المسلمين أمثالهم.
سماحة الشيخ محمّد صنقور معنى قوله تعالى: ﴿وَلَا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاء.. ﴾ السؤال: قوله تعالى: ﴿وَلَا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاء إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّنًا﴾ (1) هل معنى ذلك أنَّه يصحُّ الإكراه لهنَّ إذا لم يُردن تحصُّنا؟! الجواب: المرادُ من الفتيات في الآية المباركة هي الإماء كما أنَّ المراد من الفتيان في قوله تعالى: ﴿وَقَالَ لِفِتْيَانِهِ اجْعَلُواْ بِضَاعَتَهُمْ فِي رِحَالِهِمْ.. تفسير قوله تعالى: (ولا تكرهوا فتياتكم على البغاء) - الإسلام سؤال وجواب. ﴾ (2) هم العبيد، وكذلك هو معنى الفتى في قوله تعالى: ﴿امْرَأَةُ الْعَزِيزِ تُرَاوِدُ فَتَاهَا عَن نَّفْسِهِ﴾ (3) فإنَّ معنى الفتى هو العبد والمقصود به في الآية هو يوسف (ع) حيث أنَّه كان مُستعبَداً للعزيز وزوجته، فليس المرادُ من قوله: "فتياتكم" هو بناتكم كما قد يُتوهَّم بل المراد إماؤكم المُستعبَدات. وأما المرادُ من البغاء فهو الزنا والفجور، والمراد من التحصُّن هو التعفُّف عن الزنا. والآيةُ المباركة كانت بصدد الردع والمعالجة لظاهرةٍ متناهيةٍ في القبح كانت سائدة بين عرب الجاهليَّة، وهي أنَّ بعض المتموِّلين منهم كانوا يشترون الإماء ويتَّخذون منهنَّ بغايا لغرض التكسُّب، وكانوا يُقسِرونَ كلَّ من أرادت منهنَّ التمنُّع والتعَّفف عن هذا الفعل الشنيع.
وجميع هذه الآثار متظافرة على أن هذه الآية كان بها تحريم البغاء على المسلمين والمسلمات المالكات أمر أنفسهن. وكان بمكة تسع بغايا شهيرات يجعلن على بيوتهن رايات مثل رايات البيطار ليعرفهن الرجال ، وهن كما ذكر الواحدي: أم مهزول جارية السائب المخزومي ، وأم غليظ جارية صفوان بن أمية ، وحية القبطية جارية العاصي بن وائل ، ومزنة جارية مالك بن عميلة بن السباق ، وجلالة جارية سهيل بن عمرة ، وأم سويد جارية عمرو بن عثمان المخزومي ، وشريفة جارية ربيعة بن أسود ، وقرينة أو قريبة جارية هشام بن ربيعة ، وقرينة جارية هلال بن أنس. وكانت بيوتهن تسمى في الجاهلية المواخير. قلت: وتقدم أن من البغايا عناق ولعلها هي أم مهزول كما يقتضيه كلام القرطبي في تفسير قوله تعالى: الزاني لا ينكح إلا زانية أو مشركة. ولم أقف على أن واحدة من هؤلاء اللاتي كن بمكة أسلمت ، وأما اللاتي كن بالمدينة فقد أسلمت منهن معاذة ومسيكة وأميمة ، ولم أقف على أسماء الثلاث الأخر في الصحابة فلعلهن هلكن قبل أن يسلمن. والبغاء في الجاهلية كان معدودا من أصناف النكاح. ففي الصحيح من حديث عائشة أن النكاح في الجاهلية كان على أربعة أنحاء: فنكاح منها نكاح الناس اليوم يخطب الرجل إلى الرجل وليته أو ابنته فيصدقها ثم ينكحها.