فالمقصود أنَّ الليل كلُّه وقت، وأفضله آخر الليل، الثلث الآخر من الليل، ثمَّ من ناحية العدد أيضاً الأمر واسع، يصلِّي الإنسان ما شاء، إن خفَّفَ وأراد يصلِّي عدد كذا من العدد، إن خفَّف وكثَّر العدد، أو طوَّل وقلَّل العدد، هو باختيار إن شاء خفَّف وقلَّل العدد، وإن شاء طوَّل وقلَّل العدد، وكان عليه الصلاة والسلام يعني في الغالب أنَّه لا يزيد على إحدى عشرة ركعةً، لكنَّه يطوّل، تقول عائشة –رضي الله عنها-: "ما زادَ رسول الله –صلَّى الله عليه وسلَّم- في رمضان ولا في غيرها على إحدى عشرةَ ركعةً".
وقال رجل للحسن البصري: يا أبا سعيد: إني أبيت معافى، وأحب طهوري، فما بالي لا أقوم؟ فقال الحسن: ذنوبك قيدتك. وقال رحمه الله: إن العبد ليذنب الذنب فيحرم به قيام الليل، وصيام النهار. وقال الفضيل بن عياض: إذا لم تقدر على قيام الليل، وصيام النهار، فاعلم أنك محروم مكبل، كبلتك خطيئتك. فضل صلاة الوتر وقيام الليل أو قراءة سورة. ومنها النوم على الجنب الأيمن: وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يرشد أمته إلى ذلك، كما جاء في حديث أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إذا أوى أحدكم إلى فراشه فلينفضه بداخلة إزاره، فإنه لا يدري ما خلفه عليه، ثم ليضطجع على شقه الأيمن. متفق عليه. قال الإمام ابن القيم ـ رحمه الله ـ في بيان الحكمة في ذلك: وفي اضطجاعه صلى الله عليه وسلم على شقه الأيمن سر، وهو أن القلب معلق في الجانب الأيسر، فإذا نام على شقه الأيسر استثقل نوما، لأنه يكون في دعة واستراحة فيثقل نومه، فإذا نام على شقه الأيمن فإنه يقلق ولا يستغرق في النوم لقلق القلب وطلبه مستقره وميله إليه. اهـ. ومنها أن يخفف الإنسان وجبة الليل وأن لا يؤخرها كثيرا، بل تكون قبل النوم بساعتين على الأقل، قال سفيان الثوري: عليكم بقلة الأكل، تملكوا قيام الليل.
ذات صلة صلاة قيام الليل وفضلها فضل قيام الليل في استجابة الدعاء فضل قيام الليل قيام الليل من العبادات التي لها فضائل تعود على العبد بالنَّفع في دُنياه، وآخرته، ولقيام الليل فضائل عظيمة وجليلة أخرى، يُذكَر منها ما يأتي: [١] أثنى الله على مَن يقومون الليل ، ووعدهم بالجزاء الوافي؛ قال -تعالى-: (تَتَجَافَىٰ جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا*فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَّا أُخْفِيَ لَهُم مِّن قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ). [٢] بيَّنَ الله -تعالى- أنّ قيام الليل من علامات المُتّقين، وهم يتّقون بقيام الليل عذابَ الله -تعالى-، ويرجون أن تكون لهم الجنّة، وهي صفة من صفات عباد الرحمن الصالحين؛ قال -تعالى-: (إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ*آخِذِينَ مَا آتَاهُمْ رَبُّهُمْ إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مُحْسِنِينَ*كَانُوا قَلِيلًا مِّنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ). [٣] فضَّلَ الله -تعالى- الذين يقومون الليل على غيرهم من الناس بالأجر والمكانة عنده؛ فقال: (أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ ۗ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ ۗ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ).
فضل القيام والشفع والوتر يترتّب فَضْلٌ عظيمٌ على صلاة الليل، يحوزه من أدّاها وحَرِص عليها، ويتمثّل الفَضْل في أمورٍ كثيرةٍ، منها: أنّ قيام الليل دأب المُتّقين والصالحين من المؤمنين، وقد وصفهم الله -تعالى- بذلك، ومدحهم لقيامهم الليل في مواطن كثيرةٍ، منها قوله -تعالى-: (وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا وَقِيَامًا). فضل صلاة الوتر وقيام الليل والنهار. أنّ في المداومة على قيام الليل اقتداءً بالنبيّ -صلّى الله عليه وسلّم-؛ فقد كان يقوم الليل حتّى تتورّم قدماه؛ كما روت أمّ المؤمنين عائشة -رضي الله عنها-: (أنَّ نَبِيَّ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ كانَ يَقُومُ مِنَ اللَّيْلِ حتَّى تَتَفَطَّرَ قَدَمَاهُ). أنّ الله -تعالى- رتّب ثوابًاً جزيلًا، ونعيمًا عظيمًا في الجنّة لمَن يُقيم الليل؛ قال النبيّ -عليه الصلاة والسلام-: (أيُّها النَّاسُ أفشوا السَّلامَ، وأطْعِمُوا الطَّعامَ، وصِلُوا الأرحامَ، وصلُّوا باللَّيلِ والنَّاسُ نيامٌ، تدخُلوا الجنَّةَ بسَلامٍ). أنّ صلاة الليل تفضُلُ صلاة النهار -فيما سوى الفرائض-؛ كما جاء في حديث النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم-: (وأَفْضَلُ الصَّلاةِ، بَعْدَ الفَرِيضَةِ، صَلاةُ اللَّيْلِ)؛ إذ إنّ الليل وقتٌ تتنزّل فيه السكينة والرحمات، وأحرى أن تُجاب فيه الدعوات.
أما أرواح الكفار ففي النار، وقد قال تعالى في آل فرعون: النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ [غافر: 46]، واختلف العلماء في مستقرها في الدنيا: فقيل: في نفس النار، وقيل: في قبور أصحابها، وقيل غير ذلك، والله أعلم [3]. رواه الترمذي في (صفة القيامة والرقائق والورع) برقم (2409)، وابن ماجه في (إقامة الصلاة والسنة فيها) برقم (1324). رواه الإمام أحمد في (مسند المكيين) برقم (15216) بلفظ ((إنما نسمة المؤمن))، وابن ماجه في (كتاب الزهد) برقم (4261). من برنامج (نور على الدرب)، رقم الشريط (69). 6 فضائل لصلاة قيام الليل وأفضل أوقاتها. (مجموع فتاوى ومقالات الشيخ ابن باز 11/ 301). فتاوى ذات صلة
فإذا أراد الشخص أن يصلّيها، يجب عليه أن يكون طاهرًا، وأن يستقبل القبلة، ويستحضر النيّة، ويستر العورة، وأن يكون موعد الصلاة قد حان، فلا يجب أن تصلّى في غير موعدها، ثم يقرأ في الركعة الأولى سورة الأعلى وهذا ما ورد في السنّة، وفي الركعة الثانية سورة الكافرون، وفي الركعة الثالثة سورة الإخلاص، وإذا صلّى المسلم الوتر يتشهد مرّة واحدة في آخره ثم يسلم. إن أوتر المسلم بتسع ركعات يتشهّد مرّتين، مرة بعد الركعة الثامنة ولا يسلم، ثم يقوم للركعة التاسعة ويتشهد ويسلم، ومن الأفضل أن يوتر المصلي بركعة واحدة مستقلة، ثم يقول بعد السلام:( سبحان الملك القدوس)، ثلاث مرات ويمد صوته في الثالثة، ويصلي الوتر بعد صلاة التهجد، فإن خاف ألا يقوم أوتر قبل نومه، لقوله صلى الله عليه وسلم: ( من خاف أن لا يقومَ من آخرِ اللَّيلِ فلْيوتِرْ أولَه. ومن طمع أن يقومَ آخرَه فلْيوتِرْ آخرَ الليلِ.
اهـ. والله أعلم.