((تفسير القرطبي)) (18/153). وقال النووي: (أجمعت الأمَّةُ على تحريمِ طَلاقِ الحائِضِ الحائِلِ). ((شرح النووي على مسلم)) (10/60). وقال ابنُ تَيميَّةَ: (الطَّلاقُ في الحَيضِ محَرَّمٌ بالكتابِ والسُّنَّةِ والإجماعِ؛ فإنَّه لا يُعلَمُ في تحريمِه نزاعٌ، وهو طلاقُ بِدعةٍ). ((الفتاوى الكبرى)) (3/247). وقال: (فإنْ طَلَّقَها وهي حائِضٌ، أو وَطِئَها وطَلَّقها بعدَ الوطءِ قبلَ أن يتبيَّنَ حَملُها؛ فهذا طلاقٌ مُحرَّمٌ بالكتابِ والسُّنَّةِ وإجماعِ المسلمينَ). حكم طلاق الحائض. ((مجموع الفتاوى)) (33/72). الأدِلَّةُ: أوَّلًا: مِنَ الكِتابِ قال تعالى: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ [الطَّلاق: 1] وَجهُ الدَّلالةِ: في قوله: فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ أي: إذا طَلَّقتُم نساءَكم فطَلِّقوهُنَّ لِطُهرِهنَّ الذي يُحصِينَه مِن عِدَّتِهنَّ، طاهِرًا مِن غيرِ جِماعٍ، ولا تُطَلِّقوهنَّ بحَيضِهنَّ الذي لا يَعتَدِدْنَ به مِن قُرئِهنَّ [1848] ((تفسير الطبري)) (23/431). ويُنظر: ((الشرح الممتع)) لابن عثيمين (13/44). ثانيًا: مِنَ السُّنَّةِ عن سالمِ بنِ عبدِ اللهِ، أنَّ عبدَ اللهِ بنَ عُمَرَ رضي اللهُ عنه قال: ((طَلَّقتُ امرأتي وهي حائِضٌ، فذكَرَ ذلك عُمَرُ للنبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فتغَيَّظَ رَسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، ثمَّ قال: مُرْه فلْيُراجِعْها حتى تحيضَ حَيضةً أُخرى مُستَقبَلةً سِوى حَيضتِها التي طَلَّقَها فيها، فإنْ بدا له أن يُطَلِّقَها فلْيُطَلِّقْها طاهِرًا مِن حَيضتِها قبل أن يَمَسَّها، فذلك الطَّلاقُ للعِدَّةِ كما أمَرَ اللهُ.
رواه البخاري. فإذا طلق الزوج زوجتهُ وهي في فترة الحيض، فهو آثمٌ وإثمه كبير وعليه أن يتوب إلى الله وأن يَرد المرأة إلى عصمته لكي يطلقها طلاقاً شرعياً وموافقاً لأمر الله ورسوله، فيتركها بعد ردها حتى تطهر من الحيضة التي طلقها فيها، ثم تحيضُ مرة أخرى، ثم إذا تطهرت إن شاء أبقاها وإن شاء طلقها قبل أن يُجامعها. حكم طلاق الحائض. استثناء بعض المسائل من تحريم الطلاق في الحيض: 1- إذا حدث الطلاق قبل أن خلوه بها، أو يمسها فلا بأس أن يُطلقها وهي حائض؛ لأنّه لا عدّة عليها حينئذٍ، فلا يكون طلاقها هنا مخالفاً لقوله تعالى: "فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ". 2- إذا كان الحيضُ في حالِ الحمل. 3- إن حصل الطلاقُ على عوضٍ؛ فلا بأس أن يُطلقها وهي حائض. أمّا إذا انعقد النكاحُ على المرأة وهي حائض، فلا بأس بذلك؛ لأنّ الأصل الحلّ، ولا دليل على المنع منه، لكن إدخال الزوج عليها وهي حائض، فسينظرُ فيه فإن كان يؤمن من أن يطأها فلا بأس، وإلّا فلا يدخل عليها حتى تطهر خوفاً من الوقوع في المحرم. اعتبار عدة الطلاق بالحيض: أمّا إذا طلق الرجل زوجته بعد مساسها ويخلي بها، فقد توجب عليها بأنّ تعتدّ بثلاث حيضات كاملات، إذا كانت من النساء التي تحيض، ولم تكُن حاملاً لقول الله تعالى: " وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ".
هذا، وعلى تقديرِ عدمِ وقوع الطلاق فلا اعتدادَ عليها؛ لأنَّ العِدَّةَ إنما تكون مِنْ طلاقٍ ولم يَقَعْ، ولكنَّ الطلاق القضائيَّ ـ في ظاهِرِه ـ وَقَعَ صحيحًا، وثلاثُ سنواتٍ متضمِّنةٌ لزومًا لمدَّة العِدَّة، وهي أجنبيةٌ عنه تأكيدًا، ولا تحتاج إلى إعادتها، وله أَنْ يتزوَّجَها مِنْ جديدٍ بعقدٍ ومهرٍ، وترجع إليه مع احتساب الطلقة الأولى. والعلم عند الله تعالى، وآخِرُ دعوانا أنِ الحمدُ لله ربِّ العالمين، وصلَّى الله على محمَّدٍ وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدين، وسلَّم تسليمًا. الجزائر في: ١٧ صفر ١٤١٧ ﻫ الموافق ﻟ: ٠٢ جويلية ١٩٩٦ م ( ١) انظر: «الكافي» لابن عبد البرِّ ( ٢٦٣)، «بدائع الصنائع» للكاساني ( ٣/ ١٤١)، «المغني» لابن قدامة ( ٣/ ٩٩)، «القوانين الفقهية» لابن جُزَيٍّ ( ٢١٩)، «الإنصاف» للمرداوي ( ٨/ ٤٤٨)، «مغني المحتاج» للشربيني ( ٣/ ٣٠٧). هل ينفذ طلاق الحائض - إسلام ويب - مركز الفتوى. ( ٢) وخالَفَ في ذلك بعضُ السلف القائلين بعدم وقوع الطلاق في الحيض ولا يُحْسَبُ، وبه قال أهلُ الظاهر، وهو مذهبُ ابنِ تيمية وابنِ القيِّم وغيرهم، [ انظر: «المحلَّى» لابن حزم ( ١٠/ ١٦١)، «المغني» لابن قدامة ( ٧/ ١٠٠)، «مجموع الفتاوى» لابن تيمية ( ٣٣/ ٦٦)، «زاد المَعاد» لابن القيِّم ( ٥/ ٢١٨)].
إذا طَلَّق الرَّجُلُ امرأتَه في حالِ حَيضِها أو في طُهرٍ جامَعَها فيه: فهو طَلاقٌ مُحَرَّمٌ، وذلك باتِّفاقِ المذاهِبِ الفِقهيَّةِ الأربعةِ: الحَنَفيَّةِ [1843] ((كنز الدقائق)) للنسفي (ص: 269)، ((تبيين الحقائق)) للزيلعي (2/193،189). ، والمالِكيَّةِ [1844] ((الكافي في فقه أهل المدينة)) لابن عبد البر (2/572)، ((منح الجليل)) لعليش (4/35). ويُنظر: ((شرح مختصر خليل)) للخرشي (4/28). ، والشَّافِعيَّةِ [1845] ((روضة الطالبين)) للنووي (1/136) و (8/3)، ((منهاج الطالبين)) للنووي (ص: 236). ، والحَنابِلةِ [1846] ((شرح منتهى الإرادات)) للبهوتي (3/78)، ((مطالب أولي النهى)) للرحيباني (5/331). ، وحُكِيَ فيه الإجماعُ [1847] قال الجصَّاص: (ما نعلَمُ أحدًا أباح طلاقَها في الطُّهرِ بعد الجِماعِ إلَّا شَيئًا رواه وكيعٌ عن الحسَنِ بن صالح عن بيان عن الشَّعبيِّ، قال: إذا طَلَّقها وهي طاهِرٌ فقد طَلَّقها للسُّنَّةِ وإن كان قد جامَعَها. الموقع الرسمي لفضيلة الشيخ / محمد بن صالح بن عثيمين رحمة الله تعالى - حكم الطلاق في الحيض. وهذا القَولُ خِلافُ السُّنَّةِ الثابتةِ عن النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، وخلافُ إجماعِ الأمَّةِ). ((أحكام القرآن)) (5/347). وقال القاضي عبد الوهاب: (طلاقُ الحائِضِ محرَّمٌ بإجماعٍ).
حكم الطلاق للمرأة الحائض: اعتبار عدة الطلاق بالحيض: حكم الطلاق للمرأة الحائض: الطلاق: فقد عرف الطلاق بأنّه هو حَلُّ قَيدِ النِّكاحِ بلَفظِ الطَّلاق ونحوه. فلا يجوزُ على الزوج أن يُطلق زوجتهُ حال حَيضها؛ وذلك بدليل قوله تعالى: "يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ" الطلاق:1، أي في حالِ يستقبلن به عدّة معلومة أثناء الطلاق، ولا يكون ذلك إلّا إذا طلقها حاملاً أو طاهراً من غير جماع؛ لأنّها إذا طُلقت حال الحيض لم تستقبل العدة حيث إنّ الحيضة التي طلقت فيها لا تُحسب من العدّة، وإذا طلقت طاهراً بعد الجماع لم تكن العدة التي تستقبلها معلومة حيث إنه لا يعلم هل حملت من هذا الجماع ،فتعتد بالحمل، أو لم تحمل فتعتد بالحيض، فلما لم يحصل اليقين من نوع العدة حرم عليه الطلاق حتى يتبين الأمر. إنّ طلاقُ المرأة الحائض في أثناء حيضها محرمٌ بدليل الآية السابقة، ولما ثبت في الصحيحين وغيرهما من حديث ابن عمر أنّه طلق زوجتهُ وهي حائضٌ، فأخبر عمر بذلك النبي صلى الله عليه وسلم فتغيظ فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: "مُره فليراجعها ثم ليمسكها حتى تطهر، ثم تحيض، ثم تطهر، ثم إن شاء أمسك بعد، وإن شاء طلق قبل أن يمس فتلك العدّة التي أمر الله أن تطلق لها النساء".
والأولى للمرأة وزوجها أن يراجعا المحكمة الشرعية لديهم في هذا الأمر إن وجدت، فإن لم توجد فليعملا بمقتضى هذه الفتوى. بقي أن ننبه إلى أن الغضب الذي يمنع وقوع الطلاق هو الغضب المطبق الذي يجعل صاحبه غير واع لما يصدر منه، أما ما دون ذلك من الغضب، فلا يمنع وقوع الطلاق. والله أعلم.