صدق هذا الشاعر وقد قال ابو تمام: وما من شدة إلا سيأتي لها من بعد شدتها رخاء وقال أيضا ابراهيم بن العباس الصولي: ولرب نازلة يضيق بها الفتى ذرعا وعند الله منها المخرج ضاقت فلما استحكمت حلقاتها فرجت وكنت أظنها لاتفرج وقال الإمام الشافعي: ولاتجزع لحادثة الليالي فما لحوادث الدنيا بقاء وأفضل مما ذكرت قول المولى عز وجل: الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون «156» أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمةوأولئك هم المهتدون «157» البقرة، والفرج مقرون بالصبر، ومفتاح الفرج الاستعانة بالله والتوكل عليه، والدعاء والاستغفار.
وإنها نفس الحالة والشعور بالسكينة والطمأنينة وجدها خليل الله إبراهيم في قلب النار حين ألقي فيها، فلم يشتغل بسؤال مخلوق من إنس أو جن أو ملك وإنما كان مطمئنًا بمعيّة ربه وتوكله عليه وهو يقول "حسبنا الله ونعم الوكيل" كما ورد في صحيح البخاري عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: حسبنا الله ونعم الوكيل قالها إبراهيم صلى الله عليه وسلم حين ألقي في النار وقالها محمد صلى الله عليه وسلم وأصحابه حين قيل لهم {الَّذِينَ قالَ لَهُمُ النّاسُ إنَّ النّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكم فاخْشَوْهم فَزادَهم إيمانًا وقالُوا حَسْبُنا اللَّهُ ونِعْمَ الوَكِيلُ} آية 173 سورة آل عمران". حذار من اليأس | صحيفة الاقتصادية. فوحقه لأسلّمن لأمره في كل نازلة وضيق خناق موسى وإبراهيم لمّا سلّما سلما من الإغراق والإحراق السكينة والطمأنينة ثمرة من ثمار التوكل وجدتها في نفسها أمنا هاجر عليها السلام حين تركها زوجها إبراهيم عليه السلام ومعها صغيرها اسماعيل بواد غير ذي زرع وليس معها إلا جراب تمر وقربة ماء، فقالت له: "آلله أمرك بهذا؟ فقال: نعم. قالت: إذًا لن يضيعنا". إنها الطمأنينة والسكينة تنتصر على الخوف والقلق والوحشة والجوع وعاطفة الأمومة بحسن التوكل على الله سبحانه. القوة إنها ثمرة أخرى من ثمار التوكل الصادق على الله سبحانه يحسّ بها المتوكل على ربه، إنها قوة نفسية وروحية ومعنوية تصغر أمامها أي قوة مادية سواءً كانت قوة السلاح أو المال أو الرجال، ففي الحديث الشريف عن رسول الله ﷺ قال: "من سرّه أن يكون أكرم الناس فليتق الله، ومن سرّه أن يكون أقوى الناس فليتوكل على الله".
إن حالة الرضا شعور ينشرح به صدر المؤمن الراضي عن ربه سبحانه فيكون الأمر متبادلًا بينه سبحانه وبين عباده {رَّضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ} آية 155 سورة التوبة. وإذا كان الأمر كذلك انشرح الصدر وانفتح القلب وهدأت النفس، وقد قيل: "متى رضيت بالله وكيلًا فقد وجدت إلى كل خير سبيلا". وقال بشر الحافي: "يقول أحدهم توكلت على الله، يكذب على ربه، لو توكل على الله رضي بما يفعل الله". فالمتوكل على ربه سبحانه الراضي عنه سبحانه في كل حال يكون موقنًا أن تدبير الله خير من تدبيره لنفسه، وأنه دائمًا في كفاية الله وكنفه وكفالته وكفى بالله وكيلا، فالمتوكل على ربه كمن يلقي حمولته وهمومه عند باب ربه فيستريح من الهمّ والعناء وهو يعلم أن ما يختاره ربه سبحانه هو الخير فيرضى. ففرّوا إلى الله | رابطة خطباء الشام. سهرت أعين ونامت عيون في أمور تكون أو لا تكون إن ربًا كفاك بالأمس ما كان سيكفيك في غد ما يكون الأمل وإن من ثمرات التوكل على الله سبحانه ذلك الأمل والاستبشار والتفاؤل لأن المتوكل يعلم أنه قد تمسّك بحبل ربه الذي لا ينقطع وحتمًا فإنه سيصل ويحقق مبتغاه وما كان يرجوه. إنه الأمل بالفوز بالمطلوب والنجاة من الكروب وانقشاع الغمّة وانفراج الكربة وانتصار الحق على الباطل والهدى على الضلال والخير على الشرّ والفضيلة على الرذيلة والعدل على الظلم.
يمر الإنسان في حياته بالكثير من المواقف التي تؤثر في مشاعره إيجابا أو سلبا، فتارة تراه سعيدا هادئا مبتسما، وأخرى تراه حزينا أو مهموما، وهذا شأن الدنيا لا تدوم على حال ولا تصفو لأحد: طُبِعَت على كَدَرٍ وأنت تريدها *** صفوا من الأقذار والأكدار ومُكَلِّفُ الأيامِ ضِدَّ طِباعها *** مُتَطَلِّب في الماء جذوة نار وربما زاد الهم والحزن حتى يصل صاحبه إلى حالة من الإحباط. معنى الإحباط: لقد شاع استعمال لفظ الإحباط في عصرنا بمعنى شعور الإنسان بالخيبة لفشله في عمله وعدم تحقيق أهدافه، ويعقب هذا النّوع من الإحباط حالة من اليأس ربّما تؤدّي لترك العمل بالكلّيّة. وقال بعض الباحثين: الإحباط (بمفهومه العصريّ) يعني مجموعة من المشاعر المؤلمة تنتج عن عجز الإنسان عن الوصول إلى هدف ضروريّ لإشباع حاجة ملحّة عنده. من أسباب الإحباط: أولاً: الجهل: فحين عد ابن القيم -رحمه الله- شيئا من الكبائر ذكر منها القنوط واليأْس من رحمة الله، ثم قال: "إنما تنشأ من الجهل بعبودية القلب، وترك القيام بها". ثانياً: قلة الصبر واستعجال النتائج: فتضعف النفوس عن تحمل البلاء والصبر عليه، وتستعجل حصول الخير، فإذا لم يتحقق له ما يريد من زوال البلاء والشدة وقد قل صبره أصابه الإحباط.
وأخيرا: يقول الداعية عائض القرني في كتابه لا تحزن: (يا إنسانُ بعد الجوع شبعٌ، وبعْدَ الظَّمأ ريٌّ، وبعْدَ السَّهرِ نوْمٌ، وبعْدَ المرض عافيةٌ، سوف يصلُ الغائبُ، ويهتدي الضالُّ، ويُفكُّ العاني، وينقشعُ الظلامُ { فَعَسَى اللهُ أَن يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِّنْ عِندِهِ}. بشَّر الليل بصبح صادق يطاردُهُ على رؤِوسِ الجبال، ومسارب الأوديةِ، بشِّر المهمومَ بِفرجٍ مفاجئ يصِلُ في سرعةِ الضَّوْءِ، ولمحِ البصرِ، بشِّرِ المنكوب بلطف خفيٍّ، وكفٍ حانيةٍ وادعةٍ. إذا رأيت الصحراء تمتدُّ وتمتدُّ، فاعلم أنَّ وراءها رياضاً خضراء وارفة الظِّلالِ. إذا رأيت الحبْل يشتدُّ ويشتدُّ، فاعلمْ أنه سوف يَنْقطُعِ. مع الدمعةِ بسمةٌ، ومع الخوفِ أمْنٌ، ومع الفَزَعِ سكينةٌ. النارُ لا تحرقُ إبراهيم الخليلِ، لأنَّ الرعايةَ الربانيَّة فَتَحتْ نَافِذَةَ { بَرْداً وَسَلَاماً عَلَى إِبْرَاهِيمَ} البحرُ لا يُغْرِقُ كَلِيمَ الرَّحْمَنِ، لأنَّ الصَّوْتَ القويَّ الصادق نَطَقَ بـ { كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ}. المعصومُ في الغارِ بشَّرَ صاحِبهُ بأنه وحْدَهْ جلَّ في عُلاهُ معنا؛ فنزل الأمْنُ والفتُح والسكينة. إن عبيد ساعاتِهم الراهنةِ، وأرِقّاءَ ظروفِهِمُ القاتمةِ لا يرَوْنَ إلاَّ النَّكَدَ والضِّيقَ والتَّعاسةَ، لأنهم لا ينظرون إلاَّ إلى جدار الغرفةِ وباب الدَّارِ فَحَسْبُ.