ولما قتل أمير المؤمنين عثمان بن عفان كشرت الفتنة عن أنيابها ، وكانت مخالبها بين أنامل أربعه من أذكياء العرب: معاوية بن أبي سفيان ، وعمرو بن العاص ، وزياد ابن أبيه ، وقيس بن سعد ، ولما انتهت وقعة الجمل دخل أمير المؤمنين علي بن أبي طالب البصرة ، فبايعه أهلها ، واستأمنوه على حياتهم حتى الجرحى منهم. وكان زياد بن سمية معتزلًا الفتنة ، فلما رأى عمار بن ياسر يقف بجانب أمير المؤمنين علي ، عرف أن أبا الحسن علي الحق ؛ فقد أخبره الرسول صلّ الله علية وسلم أن عمار بن ياسر يدور مع الحق حيث دار ، وأن الفئة الباغية تقتل عمار بن ياسر ، فأخذ زياد ابن أبيه مكانه بجانب الحق فولاه أمير المؤمنين علي على بيت المال. وحينما سار زياد ابن أبيه إلى فارس في جمع كثير ، فألقى الرعب في قلوبهم وراح يبعث إلى رؤسائهم ، يعد من ينصره ويمنيه ويخوف من امتنع عليه ، وضرب بعضهم ببعض فدل بعضهم علي عورة بعض ، وهربت طائفة وأقامت طائفة فقتل بعضهم بعضا ، وصفت لزياد بن سمية الأمور ، ولم يلق منهم حربًا وأدوا الضرائب. إسلام ويب - سير أعلام النبلاء - كبار التابعين - زياد بن أبيه- الجزء رقم3. ولما رأى معاوية بن أبي سفيان أن زياد بن سمية قد ضبط بلاد فارس ، وجبي الخراج وأصلح الفساد ، فكتب إليه معاوية بن أبي سفيان ملوحًا بصلة الرحم التي بينهم ؛ ليفسده علي أمير المؤمنين علي ، فماذا فعل زياد ؟ بعث بكتاب معاوية إلى أمير المؤمنين علي ، فكتب إليه أبو الحسن: إنما وليتك ما وليتك ، وأنت أهل لذلك ولن تدرك ما تريد مما أنت فيه إلا بالصبر واليقين ، وإنما كانت من أبي سفيان فلتة زمن عمر ، ويقصد بذلك اعتراف أبي سفيان ببنوة زياد.
قال علي وما يمنعك أن تدعيه؟ فقال: أخشى الجالس على المنبر وكان الجالس هو عمر بن الخطاب. [1] عمل كاتباً لأبي موسى الأشعري ونبغ في عهد الخليفة الراشد عمر بن الخطاب وقيل فيه أنه كان يمكن أن يسوق الناس لولا نسبه المجهول، فقيل أن أبا سفيان بن حرب أقر ببنوته، وقال لأحد الطاعنين فيه: "ويحك، أنا أبوه". من أنصار علي إلى معاوية وفي عهد الخليفة الراشد علي بن أبي طالب تولى زياد ولاية فارس وكرمان ، فلما تنازل الحسن لمعاوية عن الخلافة بعث معاوية يطالبه بالمال، فكتب إليه:"صرفت بعضه في وجه واستودعت بعضه للحاجة إليه وحملت مافضل علي أمير المؤمنين رحمه الله". [2] فكتب إليه معاوية بالقدوم إليه لينظر في ذلك فامتنع زياد. فلما ولى معاوية بسر بن أبي أرطأة على البصرة أمره باستقدام زياد، فجمع بسر أولاد زياد في البصرة وحبسهم وهم عبد الرحمن وعبد الله وعباد وكتب إلى زياد قائلا:"لتقدمن أو لأقتلن بنيك". فامتنع زياد واعتزم بسر على قتلهم. زياد ابن أبيه.. أحد رمـــوز الإرهاب الأموي. فسار أبوبكرة (وهو أخو زياد لأمه) إلى معاوية. فلما قدم عليه قال:"إن الناس لم يبايعوك على قتل الأطفال وإن بسرا يريد قتل بني زياد". فأمر معاوية بسر ا بالإفراج عنهم، فأطلق سراحهم. [3] وخاف معاوية منه فلجأ إلى الحيلة وذكر ما كان من أمر أبيه يوماً، ومقالته في زياد، فأرسل إليه أنه سيقر بنسبه إلى أبيه، ويصبح اسمه زياد بن أبي سفيان، فوافق زياد، فصالحه واستقدمه إلى الشام واستلحقه بنسب أبيه أبو سفيان وكان ذلك سنة 44 هـ.
وفاة زياد بن أبيه توفي زياد بن ابيه في السنة الثالثة والخمسين من الهجرة وكان في ذلك الوقت يعيش في مدينة الكوفة، وكان سبب وفاته مرض الطاعون وتم دفنه خارج البلاد لمنع انتشار العدوى. وبذلك نكون قد أجبنا على سؤال من هو زياد بن ابيه ويكيبيديا وتعرفنا أنه من أشهر القادة العسكريين في الدولة الإسلامية والتي استطاعت تحقيق الاستقرار داخل البلاد نشكركم على حسن المتابعة وانتظر مقالا جديدا من مجلة انوثتك.
[ ص: 545] عبيد الله بن زياد بن أبيه أمير العراق أبو حفص ، ولي البصرة سنة خمس وخمسين وله ثنتان وعشرون سنة ، وولي خراسان ، فكان أول عربي قطع جيحون ، وافتتح بيكند ، وغيرها. وكان جميل الصورة ، قبيح السريرة. وقيل: كانت أمه مرجانة من بنات ملوك الفرس. قال أبو وائل: دخلت عليه بالبصرة وبين يديه ثلاثة آلاف ألف درهم جاءته من خراج أصبهان وهي كالتل. زياد بن أبيه. روى السري بن يحيى ، عن الحسن قال: قدم علينا عبيد الله ، أمره معاوية ، غلاما سفيها ، سفك الدماء سفكا شديدا ، فدخل عليه عبد الله بن مغفل فقال: انته عما أراك تصنع ؛ فإن شر الرعاء الحطمة. قال: ما أنت وذاك ؟ إنما أنت من حثالة أصحاب محمد - صلى الله عليه وسلم - قال: وهل كان فيهم حثالة لا أم لك. قال: فمرض ابن مغفل ، فجاءه الأمير عبيد الله عائدا فقال: أتعهد إلينا شيئا ؟ قال: لا تصل علي ، ولا تقم على قبري. قال الحسن: وكان عبيد الله جبانا ، ركب ، فرأى الناس في [ ص: 546] السكك ، فقال: ما لهؤلاء ؟ قالوا: مات عبد الله بن مغفل. وقيل: الذي خاطبه هو عائد بن عمرو المزني كما في " صحيح مسلم " فلعلها واقعتان. وقد جرت لعبيد الله خطوب ، وأبغضه المسلمون لما فعل بالحسين - رضي الله عنه - فلما جاء نعي يزيد هرب بعد أن كاد يؤسر ، واخترق البرية إلى الشام ، وانضم إلى مروان.
[ ص: 496] ثم أتى في العام المقبل ، وقد ادعاه. قال الشعبي: ما رأيت أحدا أخطب من زياد. وقال قبيصة بن جابر: ما رأيت أحدا أخصب ناديا ، ولا أكرم جليسا ، ولا أشبه سريرة بعلانية من زياد. وقال أبو إسحاق السبيعي: ما رأيت أحدا قط خيرا من زياد. قال ابن حزم في كتاب " الفصل ": لقد امتنع زياد وهو فقعة القاع لا نسب له ولا سابقة ، فما أطاقه معاوية إلا بالمداراة ، ثم استرضاه ، وولاه. قال أبو الشعثاء: كان زياد أفتك من الحجاج لمن يخالف هواه. وقال ابن شوذب: بلغ ابن عمر أن زيادا كتب إلى معاوية: إني قد ضبطت العراق بيميني ، وشمالي فارغة ، وسأله أن يوليه الحجاز. فقال ابن عمر: اللهم إنك إن تجعل في القتل كفارة ، فموتا لابن سمية لا قتلا ، فخرج في أصبعه طاعون ، فمات. قال الحسن البصري: بلغ الحسن بن علي أن زيادا يتتبع شيعة علي بالبصرة ، فيقتلهم ، فدعا عليه. وقيل: إنه جمع أهل الكوفة ليعرضهم على البراءة من أبي الحسن ، فأصابه حينئذ طاعون في سنة ثلاث وخمسين. وله أخبار طويلة. ولي المصرين ؛ فكان يشتو بالبصرة ، ويصيف بالكوفة ، [ ص: 497] داود ، عن الشعبي: أتي زياد في ميت ترك عمة وخالة ، فقال: قضى فيها عمر أن جعل الخالة بمنزلة الأخت ، والعمة بمنزلة الأخ ، فأعطاهما المال.
وقال أبو سليمان بن زيد: وفي سنة ست وستين، قالوا فيها: قتل ابن زياد والحصين بن نمير، وليّ قتلهما إبراهيم بن الأشتر، وبعث برأسيهما إلى المختار فبعث بهما إلى ابن الزبير، فنصبت بمكة والمدينة. وهكذا حكى ابن عساكر، عن أبي أحمد الحاكم وغيره أن ذلك كانت في سنة ست وستين. زاد أبو أحمد في يوم عاشوراء، وسكت ابن عساكر عن ذلك. والمشهور أن ذلك كانت في سنة سبع وستين كما ذكره ابن جرير وغيره، ولكن بعث الرؤوس إلى ابن الزبير في هذه السنة متعذر لأن العداوة كانت قد قويت وتحققت بين المختار وابن الزبير في هذه السنة. وعما قليل أمر ابن الزبير أخاه مصعبا أن يسير إلى البصرة إلى الكوفة لحصار المختار وقتاله والله أعلم.